فصل: سورة هود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير السعدي المسمى بـ «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» **


 تفسير سورة هود عليه الصلاة

والسلام ‏[‏وهي‏]‏ مكية

‏[‏1 ـ 4‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {‏ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ هذا ‏{‏كِتَابٌ‏}‏ عظيم، ونزل كريم، ‏{‏أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ‏}‏ أي‏:‏ أتقنت وأحسنت، صادقة أخبارها، عادلة أوامرها ونواهيها، فصيحة ألفاظه بهية معانيه‏.‏

‏{‏ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏ أي‏:‏ ميزت وبينت بيانا في أعلى أنواع البيان، ‏{‏مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ‏}‏ يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، لا يأمر ولا ينهى إلا بما تقتضيه حكمته، ‏{‏خَبِيرٌ‏}‏ مطلع على الظواهر والبواطن‏.‏

‏[‏2‏]‏ فإذا كان إحكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير، فلا تسأل بعد هذا، عن عظمته وجلالته واشتماله على كمال الحكمة، وسعة الرحمة ‏.‏ وإنما أنزل الله كتابه ل ـ ‏{‏أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ‏}‏ أي‏:‏ لأجل إخلاص الدين كله لله، وأن لا يشرك به أحد من خلقه‏.‏

‏{‏إِنَّنِي لَكُمْ‏}‏ أيها الناس ‏{‏مِنْهُ‏}‏ أي‏:‏ من الله ربكم ‏{‏نَذِيرٍ‏}‏ لمن تجرأ على المعاصي بعقاب الدنيا والآخرة، ‏{‏وَبَشِيرٌ‏}‏ للمطيعين لله بثواب الدنيا والآخرة‏.‏

‏[‏3‏]‏ ‏{‏وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ‏}‏ عن ما صدر منكم من الذنوب ‏{‏ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ‏}‏ فيما تستقبلون من أعماركم، بالرجوع إليه، بالإنابة والرجوع عما يكرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه‏.‏

ثم ذكر ما يترتب على الاستغفار والتوبة فقال‏:‏ ‏{‏يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا‏}‏ أي‏:‏ يعطيكم من رزقه، ما تتمتعون به وتنتفعون‏.‏

{‏إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏ أي‏:‏ إلى وقت وفاتكم ‏{‏وَيُؤْتِ‏}‏ منكم ‏{‏كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ‏}‏ أي‏:‏ يعطي أهل الإحسان والبر من فضله وبره، ما هو جزاء لإحسانهم، من حصول ما يحبون، ودفع ما يكرهون‏.‏

‏{‏وَإِنْ تَوَلَّوْا‏}‏ عن ما دعوتكم إليه، بل أعرضتم عنه، وربما كذبتم به ‏{‏فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ‏}‏ وهو يوم القيامة الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين، فيجازيهم بأعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ كالدليل على إحياء الله الموتى، فإنه قدير على كل شيء ، ومن جملة الأشياء إحياء الموتى، وقد أخبر بذلك وهو أصدق القائلين، فيجب وقوع ذلك عقلا ونقلا‏.‏

‏[‏5‏]‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}

يخبر تعالى عن جهل المشركين، وشدة ضلالهم، أنهم ‏{‏يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ يميلونها ‏{‏لِيَسْتَخْفُوا‏}‏ من الله، فتقع صدورهم حاجبة لعلم الله بأحوالهم، وبصره لهيئاتهم‏.‏

قال تعالى ـ مبينا خطأهم في هذا الظن ـ ‏{‏أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ يتغطون بها، يعلمهم في تلك الحال، التي هي من أخفى الأشياء‏.‏

بل ‏{‏يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ‏}‏ من الأقوال والأفعال ‏{‏وَمَا يُعْلِنُونَ‏}‏ منها، بل ما هو أبلغ من ذلك، وهو‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}‏ أي‏:‏ بما فيها من الإرادات، والوساوس، والأفكار، التي لم ينطقوا بها، سرا ولا جهرا، فكيف تخفى عليه حالكم، إذا ثنيتم صدوركم لتستخفوا منه‏.‏

ويحتمل أن المعنى في هذا أن الله يذكر إعراض المكذبين للرسول الغافلين عن دعوته، أنهم ـ من شدة إعراضهم ـ يثنون صدورهم، أي‏:‏ يحدودبون حين يرون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لئلا يراهم ويسمعهم دعوته، ويعظهم بما ينفعهم، فهل فوق هذا الإعراض شيء‏؟‏‏"‏

ثم توعدهم بعلمه تعالى بجميع أحوالهم، وأنهم لا يخفون عليه، وسيجازيهم بصنيعهم‏.‏